تؤثّر الحرب على الصحة النفسية للإنسان بما ينتج عنها من اضطرابات نفسية قد تمتدّ لفترات زمنية طويلة و ينتقل أثرها من جيل إلى آخر. كما أنّ للحرب آثار على الجنود، عائلاتهم و أبنائهم، حيث أنّ غياب أو فقدان أحد الوالدين يؤدّي إلى تغيّرات عديدة في الحالة النفسية وتظهر على شكل اضطرابات سلوكية، قلق أو نوبات غضب عند الأبناء.
لكن ما شهدناه ونشهده حالياً أنّ الحرب ساهمت في خلق شعور التكاتف و الوحدة الوطنية في وجه التهديد الجماعي بتوحيدها لصفوف الناس، حيث أنها تحثّ المواطنين على التخلّي عن الأنانية و المصالح الشخصية من أجل الوحدة و المصلحة العامة .
أضف إلى ذلك، أنّ الحرب تمنح هدفاً ومعنى لتجاوز رتابة الحياة اليومية و التحرّر من سطحيتها وقد تتيح لنا الفرصة للتعبير عن القيم الإنسانية، كالانضباط، الشجاعة والتضحية، والتي غالباً لا نكتشفها في أنفسنا في قلب دوامة الحياة .
لقد ساهمت الحرب في اكتشاف جانب آخر لم نلحظه من قبل، أو تجاهلناه، وهو الجانب الإنساني للشباب، والذي يفرض عليهم احترام الجميع بكل ما يحملونه من أفكار و معتقدات وأديان، وأن ينظروا إلى جوانب التطابق والارتباط مع الآخرين لا التفريق، والإبتعاد عن تصنيف الناس حسب دينهم، ثقافتهم أو انتمائهم. فالإنسانية نقلتنا كما نقلت شبابنا من حالة المشاحنة النفسية إلى حالة السلام الداخلي، المودة والاحترام .
زد على ذلك، أنّ مشاركة الشباب في العمل التطوعي أثناء الحرب ينمّي لديهم مشاعر التعاطف مع الآخرين، من خلال مساعدتهم و الإصغاء إليهم. إنّ الفرد أثناء الأزمات يحتاج لمن يسانده و يستمع لهمومه فذلك يمنحه الشعور بالطمأنينة و يخفف عنه ثقل الحرب .
بالمقابل إنّ مشاركة الشبان الخبرات والتجارب الحياتية يدفعهم للمضي قدماً و يخفف من شعورهم بالضياع وهذا ما شهدناه من خلال تقديم المساندة عبر وسائل عديدة من قبل مؤثرين، مدربين، أطباء، معالجين نفسيين ومتطوعين، قدموا المساعدات للتخفيف من تداعيات الحرب وآثارها.
النتيجة، إنّ الحرب التي نشهدها حالياً على الصعيدين المحلي و الإقليمي كان لها أثر سلبي على وطننا الحبيب، و لكن لمسنا جانباً إيجابياً لا بدّ من تسليط الضوء عليه و هو أن الحرب ساهمت في صقل شخصية شبابنا من خلال تحمّل المسؤولية و إنجاز المهام المطلوبة منهم كلٍ في محيطه، والإبتعاد عن السلوكيات التي لا تتناسب مع الوضع الراهن .
فمن جهة، أصبح لديهم القدرة على اتخاذ قرارات فردية و سليمة من شأنها أن تساهم في بناء شخصية قوية لديها قدرة عالية على التعبير والإفصاح عن الآراء وتصويبها من خلال حوارات متبادلة، ومن جهة أخرى، إنّ الأثر الأكبر للحرب هو التحرر من الخوف والتحلي بالشجاعة، حيث أنّ الشجاعة تساهم في تعزيز الثقة بالنفس و تحصين الفرد بغية التعافي من أثار الحرب و تداعياتها.
هذا فضلاّ عن أنّ انخراط الشبان في العمل الإنساني يعزٌز لديهم الذكاء العملي لجهة تعزيز قدراتهم على فهم و تحليل مواقف الحياة اليومية التي نختبرها من خلال الاحتكاك غير المنظم بالأخرين، والمواءمة بين قدرات الفرد و حاجاته من ناحية وبين متطلبات البيئة من ناحية أخرى.
في نهاية المطاف، إنّ التحديات التي نواجهها في زمن الحرب والصراعات تتطلب منا أن نكون أقوياء ومتحدين و قد تكون فترة الحرب فرصة للنمو و التطور و الصمود، لذا دعونا نستفيد من التقنيات و الإرشادات لتعزيز صحتنا النفسية و استقرارنا العاطفي، لنبني معاً بيئة تساعدنا على تحقيق الإنتاجية و النجاح رغم التحديات، ولنواجه معاً الظروف من أجل تحقيق أهدافنا متفائلين بأنّ الأيام القادمة ستكون أفضل وأننا قادرون على تجاوز الحرب لبناء وطن جوهره التضامن، الوحدة و المحبة.
عبير زين الدين
Focus – with – Abeer