بعد أنْ صدرتْ مذكرة التوقيف بحق الحاكم السابق لمصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة تجاوزت الإهتمامات بهذا الخبر فتفرّعت نحو المطالبة بسرية التحقيقات وفقًا للأصول ومن يريد إستغلال هذه الحادثة ويُجيرها لصالح منظومته السياسية . إنّ قضية توقيف الحاكم السابق تستوجب الإهتمام القانوني اللاسياسي والغير مُسيّسْ . إنّ إعداد العلم القانوني هو عملية متكاملة تنطلق من وعي متعمّق لكيفية نشوء التشريع ولوظيفته ، ومن هذا المنطلق نأمــل أن تشمل التحقيقات كل الأشخاص المتورطين في هدر المال العام .
وفقًا لعلم القانون ولمفهومه الأكاديمي ، إنه علم مستقل قائم بذاته ، يملك أدوات بحثه المستقلة ومنهجيته المتميّزة . قضية الحاكم السابق تستقل عن باقي القضايا ولا يمكن إتهامه بكل المخالفات التي حصلت إبّان ولايته لحاكمية مصرف لبنان . من حيث المنطق الحاكم السابق عيّنَ بموجب قرار وزاري ومُدِّدَ له أيضًا بموجب قرار صدر عن المجالس الوزارية التي كانتْ مؤلفة من المكونات السياسية الحاكمة والتي هي عضو في مجلس النواب ، إذن المسؤولية جماعية وليست فردية .
يقوم القانون في المجتمعات التي ظلت تتمسك بالمذهب الفردي على عمود فقري أساسي ألا وهو القانون المدني الذي يحمي الحقوق الذاتية ويرعى العلاقات الخاصة في المجتمع . وتعتبر مادة القانون المدني أكاديميا المادة الأساسية في أي بحث قانوني لذلك على المتطفلين والمستغلين عدم إستغلال الرأي العام وممارسة الكذب عليه وتصوير الحاكم أنه المجرم الأول والوحيد في هذه الجمهورية المنكوبة .
يا إخوان ، ويا أيها الرأي العام حاذر المتطفلين وعليك أن تعلم أن القانون ينشأ في المجتمع المنظم وليس في المجتمع المُشلّع والمجتمع المُضلّلْ ، والقانون ينتمي بحكم طبيعته إلى الدولة السيّدة المستقلة لا المستباحة حدودا وقرارا وساسة ، وإعلم أنّ القانون يشرف على الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية رعاية الحياة الإجتماعية والعمل على تطويرها وإنمائها. وبالتالي إنّ ما حصل في السنين الماضية هو نتيجة تراكمات من ساسة الأمر الواقع بالتنسيق والتفاهم مع الحاكم السابق رياض سلامة .
يحتاج توضيح المفهوم القانوني في قضية توقيف الحاكم السابق رياض سلامة إلى بيان توابت وعناصر الجرم وتحديد الخصائص والمميزات في هذه الجرائم التي حصلتْ ويتم ذلك في بحث أول عبر محاولة تصنيف وتعداد المخالفات المرتكبة ، إذ أن هذه المخالفات ما كانتْ لتستمّر لولا سكوت وتضامن هذه الطبقة السياسية الحاكمة والتي أعطتْ الضوء الأخضر للحاكم السابق. ولا يحق لأي زعيم بالقول أنه ” ضُلِّـلَ من قبل الحاكم ” فالحاكم ليس وحده في المصرف المركزي هذا أولاً أما ثانيًا أين هم المستشارين للسادة النواب في الأمور التي كانتْ تحصل ولماذا لم يُساءلوا عن تلك السياسات التي كانتْ تمارس ؟ ولماذا كانوا يسكتون عن الموازنات التي حصلت دون قطع حساب ؟ فعلاً إللي إستحوا ماتوا …
دحضًا لأي عملية تضليل ، في هذه المقالة المقتضبة ألفتْ نظر الرأي العام اللبناني إلى أنّ الدستور اللبناني كرّس بصورة أساسية المعيار الشكلي لتحديد القانون وذلك وفقا لأحكام المادة 19 منه التي تنص على أنه “لا ينشر قانون ما لم يقره المجلس” لذلك لا يمكن لأي نائب من إعفاء نفسه من الجرائم المرتكبة بحق خزينة الشعب اللبناني .
أيها الرأي العام الكريم ، إنّ تطبيق القانون بشكل سليم وإقامة سلطة قضائية فعلية متوازنة يمكن أن يحسما مخاطر تحوّل المسار القانوني القضائي الصرف إلى قضاء مُسيّسْ وفقا لمقتضيات رجال السياسة في لبنان ، نريد قضاء عادلاً لا مُسيّسًا وأن تكف أيادي السياسيين السوداء عن اللعب بمصيره وتجييره وإصدار أحكام إستنسابية . نريد قضاء عادل لا تتدخل فيه سياسة العار . وعلينا تسليط الضوء على هذا الملف المستجد وعدم إتلافه على طريقة جريمة العصر “مرفأ بيروت ” لأنّ العدل أساس الملك.
الدكتور جيلبير المجبِّرْ