خيانة الصمت: كيف تواطأوا مع النظام السوري على حساب دماء وآهات الأمهات اللبنانيات!

خيانة الصمت: كيف تواطأوا مع النظام السوري على حساب دماء وآهات الأمهات اللبنانيات!

بقلم الدكتور جيلبير المجبر

لم يكن عبثًا أن يقال إن التاريخ لا ينسى، وإن العدالة ستظل حيّة مهما مرّ الزمن، سواء تمسّكنا بها أم تركناها عرضة لظلم الآخرين. اليوم، نتحدث عن جريمة عميقة وظلم هائل ارتكبه البعض بحق أبناء شعبهم، جريمة لا يمكن أن تمحى من ذاكرة التاريخ، ولا يمكن للعقول السوية أن تقبلها أو أن تُبررها، خاصة في ضوء الحقائق التي باتت واضحة مثل الشمس. المخطوفون اللبنانيون في سجون سوريا، الذين تم التغاضي عنهم لسنوات طويلة، لا يمكن لأي كلمات أو دفاعات أن تغطي عار السكوت عنهم، ولا يمكن لأي محاولة تبرير أن تمحو دماءهم وآهات أمهاتهم.

على مر السنوات، تحدّث الكثيرون عن هذا الملف، لكن الأكثر مأساوية هو كيف تواطأ العديد من المسؤولين والإعلاميين في لبنان، بل وركعوا أمام السلطة السورية وتجاهلوا معاناة عشرات بل مئات العائلات اللبنانية التي فقدت أبناءها على يد هذا النظام الوحشي. لم يكن ذلك مجرد تجاهل بل كان خيانة عظمى للشعب اللبناني، خيانة تمثلت في الدفاع المستمر عن نظام قاتل. فكيف يمكن لعقل أن يصدق أن هؤلاء الذين كانوا في موقع المسؤولية، الذين تعهدوا بحماية الشعب، قد اختاروا الصمت والتواطؤ مع النظام السوري على حساب دماء الأبرياء؟ كيف يبررون لأنفسهم تجاهل قلوب الأمهات المحطمة، وقد أطلقت الصرخات طيلة سنوات طويلة من وراء أسوار السجون السورية؟ كيف لهم أن يبرروا صمتهم عن قضية إنسانية شديدة الخطورة كانت تقتل كل يوم الأمل في نفوس الأمهات والآباء؟

الأمر لا يتعلق فقط بالمخطوفين، بل بالقيم والمبادئ التي يفترض أن يقوم عليها الوطن. كيف لبلد يزعم أنه يسعى للحرية والديمقراطية أن يتواطأ مع نظام قمعي لا يعرف سوى القتل والاعتقال والتعذيب؟ كيف لنا أن نثق في من يبررون الظلم لمجرد الحفاظ على مصالحهم الشخصية أو السياسية؟ اليوم، وبعد سنوات من الضياع، وبعد أن أصبح من الواضح أن هناك آلاف اللبنانيين الذين اختفوا في سجون سوريا ولم يُسمح لهم بالحياة أو بالموت، أصبح السؤال الذي يجب أن نطرحه: هل كان هؤلاء الذين تواطأوا مع النظام السوري في الخفاء يظنون أنهم سيتمكنون من إخفاء الحقيقة إلى الأبد؟ هل كان أولئك الذين دافعوا عن هذا النظام الباطل يعتقدون أن عدالة التاريخ ستغض الطرف عن جرائمهم؟

السكوت عن المخطوفين اللبنانيين، والتواطؤ مع من خططوا لاختطافهم، يمثل أخطر أنواع الخيانة. إنه خيانة لدماء الأبرياء، وخيانة للمبادئ الوطنية، وخيانة حتى للأم اللبنانية التي انتظرت طوال السنوات أن ترى ابنها الذي اختطفه النظام السوري. كيف يمكن للإنسان أن يغض الطرف عن تلك المأساة؟ كيف يمكن لأولئك الذين كانوا في السلطة أن ينسوا أن هؤلاء المخطوفين هم إخوانهم وأبناء وطنهم؟ كيف يبررون ما فعلوه بأنهم كانوا يلتزمون بالتوجيهات السياسية أو بالتحالفات الدولية؟ هل يمكن أن يكون الحفاظ على هذه التحالفات أكثر أهمية من أرواح البشر؟

أكثر ما يثير الغضب في هذه القضية هو كيفية إصرار بعض الإعلاميين على تبرير ممارسات النظام السوري، بل وشيطنوا كل من حاول أن يرفع صوته ضد هذه الممارسات. هؤلاء الإعلاميون الذين نسوا كل معاني الإنسانية وفضلوا مصالحهم على حساب أرواح الأبرياء، كيف يمكن لهم أن يناموا الليل وهم يعلمون أنهم كانوا جزءًا من آلة دموية تقتل كل يوم في الظل؟ كيف يمكن لأولئك الذين كانوا يروجون للنظام السوري أن يواجهوا ضمائرهم اليوم بعد أن اكتشفنا حجم الكارثة؟ هذه ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية إنسانية، قضية تتعلق بالمبادئ الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها كل شخص في موقع القيادة.

لن تسقط هذه القضية من ذاكرة التاريخ، ولن يستطيع أي أحد أن يطمس الحقيقة مهما حاول. لقد أهدرت دماء الأبرياء، ودماء هؤلاء المخطوفين ستظل تلاحق كل من ساهم في تجهيل الشعب اللبناني بهذه الحقيقة. المئات من الأمهات فقدن أبناءهن، وهنّ ما زلن في انتظار أن يُعاد إليهنّ فلذات أكبادهن. لهن الحق في أن يعرفن ماذا حدث، وأين أصبح أبناؤهن. لهن الحق في أن يصرخن في وجه كل من سكت عن هذه الجريمة، في وجه كل من دعم النظام السوري أو وقف إلى جانبه في محاربة الحقيقة. دماؤهن لن تذهب سدى، وصوتهن سيظل يرن في آذان الذين تغاضوا عن هذه القضية.

كيف يمكن لأولئك الذين كانوا يتحدثون عن العدالة وحقوق الإنسان أن يبرروا خيانتهم؟ كيف لهم أن يقفوا أمام الشعب اللبناني ويقولوا إنهم كانوا يعملون من أجل مصلحته؟ هل يمكن أن تكون مصلحة الوطن في السكوت عن الظلم؟ هل يمكن أن يكون من مصلحة الشعب اللبناني أن يتعاون بعض المسؤولين مع النظام السوري، الذي أذاقنا كل أنواع العذاب في السجون والمخافر؟ هذا تواطؤ لا يمكن أن يُغفر، وهذه خيانة لا يمكن أن تُنسى. الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في السجون السورية لم يكنوا مجرد أرقام، ولم يكونوا مجرد أرقام في قوائم مخفية في مكان ما، بل كانوا أناسًا حقيقيين، لهم أسماء، ولهم أسر وأحلام وحياة قُتلت في السجون.

اليوم، وبعد كل هذه السنوات، أصبحت الحقيقة واضحة. لا يمكن لأحد أن ينكر أن هناك لبنانيين اختفوا في السجون السورية، وأن النظام السوري كان المسؤول الأول عن اختطافهم وتعذيبهم. لن ينسى الشعب اللبناني هذه الجريمة، ولن يغفر لأولئك الذين سكتوا عنها، بل الذين شاركوا في تبريرها. العدالة لا تعرف حدودًا، ولن تغفر لمن خذلوا شعبهم. ومع مرور الوقت، سيتضح من كان يروّج للكذب ومن كان يصدق الحقيقة. لكن مهما حاولوا التغطية على هذه الجريمة، فإن الحقيقة ستظل تلمع كالنجوم في سماء الوطن.

الوقت آتٍ، والعدالة ستأخذ مجراها، وإن طال الزمن، فلن ننسى ولن نغفر لمن خانوا الشعب اللبناني وتواطؤوا مع نظام الظلم.

Leave a comment