لبنان على شفير التغيير: من الانهيار إلى النهوض والسيادة

لبنان على شفير التغيير: من الانهيار إلى النهوض والسيادة

بقلم: الدكتور جيلبير المجبر

يعيش لبنان اليوم في خضم أزمة وجودية حقيقية، حيث تتسارع الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية على نحو غير مسبوق، مما يجعل من اللحظة الراهنة نقطة مفصلية في تاريخه. لقد تهاوت مؤسسات الدولة أمام انهيار اقتصادي غير مسبوق، وتسلطت الأزمات السياسية على قدرة لبنان في اتخاذ قراراته السيادية المستقلة. ومع ذلك، لا يزال الأمل قائمًا في أن لبنان قادر على استعادة قوته وكرامته، ولكن ذلك يتطلب شجاعة حقيقية ورؤية استراتيجية واضحة.

منذ عقود، لطالما كان لبنان ساحة صراع إقليمي وأداة لتنفيذ أجندات دولية ومحلية في سياق تقاطع المصالح. وفي ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها سوريا والمنطقة، يبرز السؤال الأهم: هل يمكن للبنان أن يستعيد دوره الريادي كدولة ذات سيادة، قادرة على اتخاذ قراراتها بعيدًا عن الضغوطات الإقليمية والدولية؟

لقد تركت معاناتنا المستمرة على يد النظام السوري، وتدخلاته المباشرة في شؤوننا السياسية والأمنية، آثارًا عميقة في كيان لبنان. وإذا كانت لحظة التغيير التي نشهدها اليوم في سوريا تفتح آفاقًا جديدة، فإن الفرصة التي يتيحها هذا التغيير يجب أن تُستغل لصالح لبنان. لا يجب أن يُسمح لهذا البلد بأن يكون مجددًا أداة للتدخلات والهيمنة.

إن لبنان اليوم بحاجة إلى قيادة جديدة، تتسم بالحكمة والقدرة على اتخاذ قرارات جريئة من أجل استعادة السيادة الوطنية، وبناء دولة مؤسسات فعالة تستند إلى العدالة والمساواة. قيادة قادرة على مقاومة محاولات استغلال الوطن لمصلحة المحاور الإقليمية والدولية، وترك السياسة الطائفية جانبًا من أجل تأسيس دولة مدنية قادرة على حماية مصالح جميع أبنائها.

نحن في لبنان لا نحتاج إلى مجرد رئيس جمهورية، بل إلى قائد يمتلك رؤية استراتيجية طويلة الأمد، يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. رئيس يؤمن بأن لبنان يجب أن يكون دولة حيادية، لا تابعة لأية قوة إقليمية أو دولية، بل دولة ذات سيادة تضع مصالح شعبها في المقام الأول. نحن بحاجة إلى قائد يعيد للبنان مكانته في العالم العربي، ويعمل على استعادة العلاقات القوية مع محيطنا العربي والدولي، وفق مبدأ الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة.

أمامنا اليوم فرصة تاريخية لإعادة بناء لبنان على أسس جديدة، أسس تقوم على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بعيدًا عن السياسات الفئوية والمحاور المتنازعة. لا يمكن للبنان أن يواصل العيش على هامش التغيرات الدولية والإقليمية، بل يجب أن يكون فاعلًا أساسيًا في محيطه. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب على الحكومة اللبنانية أن تكون في مقدمة المدافعين عن سياسة حيادية نشطة، وأن تسعى لتطوير علاقات لبنان مع القوى الكبرى من منطلق الندية والمصلحة المشتركة، بعيدًا عن سياسات الاصطفاف والتبعية.

إن المرحلة المقبلة تتطلب منا جميعًا أن نضع لبنان في صلب أولوياتنا. يجب أن نعمل على إصلاح مؤسسات الدولة، بدءًا من انتخاب رئيس قوي وذو رؤية، مرورًا بإصلاح النظام السياسي، ووصولًا إلى تحقيق نهضة اقتصادية شاملة. إن هذا المشروع الوطني لا يمكن أن يتحقق إلا بتوحيد الصفوف، وإزالة كل العراقيل التي تقف في وجه تقدمنا.

لبنان بحاجة إلى العودة إلى مسار الحداثة والعصرنة الذي كان من رواده في المنطقة. لا ينبغي أن يُسمح له بالانزلاق إلى المزيد من الانقسامات والصراعات التي تهدد بتفتيت كيانه. الحلول التي نحتاجها اليوم ليست ترقيعية، بل هي حلول جذرية تضمن للبنان مكانه المرموق بين الأمم، دولة ذات سيادة، استقرار اقتصادي، وعدالة اجتماعية.

لبنان يمكن أن يكون نموذجًا حيًا للنهضة في الشرق الأوسط إذا ما تمكنا من استعادة عافيته السياسية والاقتصادية. لا يمكن لنا أن نسمح لأنفسنا بالتهاون في هذه اللحظة التاريخية. التغيير قادم، لكنّه يتطلب منا جميعًا قيادة حازمة ورؤية استراتيجية لنبني لبنان الجديد، لبنان القوي، والمستقل، الذي يظل شامخًا في وجه التحديات.

Leave a comment